الدعوة للمحافظة على الصلاة

عدنان بن عبد الله القطان

15 ذو القعدة 1442هـ – 25 يونيو 2021 م

——————————————————————–

الحمد لله جاعل الصلاة عماد الدين ، وعياذ المتقين ، وسراج اليقين ، ومنهاج المهتدين  ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،  شهادة توردنا موارد الموحدين، وتلحقنا بزمرة الشهداء والصالحين، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله،  النبي الصادق الوعد الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الصلاة المفروضة على المسلمين، هي أساس الدين بعد توحيد الله رب العالمين وركنه الركين وعمدته وعموده المتين، هي الفريضة الأولى بعد الإيمان بالله ورسوله، فمَنْ أقامَها فقد أقبَل على مولاه، وحظي بالسعادة والقُرْب، ومَنْ تركَها فقد أعرَض عن ربه، ونال التعاسةَ والبعدَ، فهي صلة بين العبد وبين ربه، فإذا تعطَّلت، فقد انقطعت الصلةُ بينهما، أتدري يا عبد الله ما معنى انقطاع صلة العبد بالله؟ إنه يعني دمارَ العبد، وفسادَ أمره، وضياعه وخسارته وخِذْلانَه، وفقده كلَّ شيء، وتعرضه للمهالك والمتالف والمثالب، وماذا يبقى للعبد إذا بَعُدَ عن الله، وانقطعت صلته بربه، وحُجِبَ دعاؤه، وتخلَّى عنه مولاه، وحيل بينَه وبينَ رحمة الله عز وجل. الصلاةُ عباد الله أشرفُ العبادات البدنية ورأسُها، وهي الأداة لاتصال هذا المخلوق الضعيف بمصدر القوة والرحمة والكمال، لا يعرف قيمةَ الصلاة إلا مَنْ أقامَها وذاق حلاوتَها ودنا من رضا مولاه؛ إذ لها لذة وأي لذة؟ وقد جُعلت قرةُ عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان يقول لبلال رضي الله عنه: (أَرِحْنَا بها يا بلالُ)، وكان إذا حزَبَه أمرٌ فَزِعَ إلى الصلاة، كيف لا؟ وهي مفزَع كل منيب عند الشدائد، فالمكروب إذا صلَّى ذهَب كربُه، والمفزوع إذا صلَّى ذهَب فزعُه، والبعيد الهارب إذا صلى عاد الهدوء إلى قلبه، فهي من أعظم أسباب الاستقرار النفسي... أما الذي لا يصلي فهو والله في شتات وتخبُّط وضياع، فلا فوز ولا فلاح ولا نجاة ولا ربح، ولا توفيق ولا تيسير لمن لا يصلي، بل الخزي والدمار والخسار والبوار والعار والشنار، مَنْ ضيَّع الصلاةَ التي هي عمود الدين، عاد أثرُ ذلك على سلوكه وأخلاقه وسيرته، وأين يذهب عند الشدائد، ووقت المضائق، وأيُّ ملجأ له وقتَئذ وأي نصير؟ أي راحة وأي طمأنينة؟ وأي سعادة يجدها عبدٌ بعيدٌ عن ربه تعالى لا يصلِّي لله ولا يركع ولا يسجد؟ وصدق الله العلي العظيم: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) إن الذي لا يصلي مشئوم ومذموم، وهو دائماً في هموم وغموم، وكل إنسان لا يصلي فإنه محروم من صلاح الحال، وتأمَّلُوا قولَ الله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ…) فإنها دلَّت على أن مَنْ لا يصلِّي لا يجد العونَ والنصرَ من الله تبارك وتعالى.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن كل الآيات والأحاديث والآثار الواردة في شأن الصلاة فيها دلالة واضحة على أهمية الصلاة في الإسلام، وتحذير من خطورة تركها وتضييعها، والتهاون في أدائها، ومن تلك النصوص قولُه تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فدلَّت على أن الصلاة هي الفارق بين المسلمين وغيرهم، وقوله جل في علاه: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) وإذا كان الله قد توعَّد الذين يصلون وهم ساهون عن صلاتهم بمعنى أنهم يصلون ولكنهم يلهون عنها، يؤخرونها عن وقتها، يتشاغلون عنها فما ظنكم بمن لا يصلي بأية حال من الأحوال.

ولَمَّا عرَف المؤمنون قدرَ الصلاة ازدادوا لها حُبًّاً، وبها تعلُّقًاً، وعليها إقبالاً، وكان حنينُهم إليها، وإيثارُهم لها على كل ما حُبِّبَ إلى النفس البشرية. إنها عُدَّة الصابرين، وذخيرة المتقين… والمؤمن محاسَب على الصلاة بمراعاة أوقاتها وشروطها، وأركانها وواجباتها وسُنَنِها، مداوِم على أدائها، لا يضيِّعها أبداً مَهْمَا كانت الأحوال والظروف، كما نَعَتَ اللهُ المصلينَ بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وقوله: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)، ولا عجبَ أن يهتم المرء بصلاته، ويحرص على صلاحها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أولَ ما يُحاسَب به العبدُ يومَ القيامة صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلَح وأنجَح، وإن فسَدَت فقد خاب وخَسِرَ)

أيها المؤمنون: إن الله تعالى قد حثَّنا على المحافَظة على الصلاة فقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) والرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرَنا مِنْ تَرْكِها بقوله: (ولا تَتْرُكْ صلاةً مكتوبةً متعمِّداً؛ فمن ترَكَها متعمِّداً فقد بَرِئَتْ منه ذمة الله) بل حتى وهو على فراش الموت بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم كان يوصي بها قائِلًا: (الصلاةَ الصلاةَ) أي: الزَمُوا الصلاةَ وحافِظُوا عليها، واحذروا تركَها أو عدم الإتيان بها على وجهها الكامل.. ومع ثبوت هذه الوصايا الغالية والمواعظ البليغة إلا أنه قد كَثُرَ في زماننا هذا مع الأسف الشديد مَنْ غفَل عن ذلك، وهان قدرُ الصلاة عنده، وخفَّ ميزانُها لديه، ولم تكن ضمنَ اهتماماته وأولوياته، فزَهِدَ فيها، فهَجَرَها بالكلية، واستهان بعقوبة تركها، أو تساهَل في المواظَبة عليها، والمثابَرة على أدائها، قال تعالى ذامًّاً لقوم بدَّلوا ما أُمِرُوا به: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّاً) وغيٌّ: اسمُ وادٍ من أودية جهنم، كما ورَد عن جماعة من السلف رحمهم الله، وهذا نصٌّ في أن إضاعة الصلاة من الكبائر التي تُوبق صاحبها النار، ولا خلافَ في ذلك عياذاً بالله.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ما بالُ أقوام ينتسبون إلى الإسلام وقد هجروا الصلاةَ ورضوا بأن يحيَوْا حياةً لا قيمةَ لها، كيف تطيب نفوسُهم ويهنأ بالُهم وهم لا يصلون؟ كيف يعتقدون أن بعد الحياة موتاً، وأن بعد الموت بعثًاً وهم لا يصلون؟ إن الإنسان بلا صلاة جسد بلا روح، وحياة بلا معنى، وإن تارك الصلاة يَحْسَب أن ما يرتكبه هَيِّناً، وهو عند الله عظيم، قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: (لا يختلف المسلمون أن تَرْكَ الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأَخْذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرِّض لعقوبة الله وسخطه وخزيه، في الدنيا والآخرة) انتهى كلامه رحمه الله.. وإِنْ تَعْجَبْ كذلك فاعجَبْ لحال بعض الناس أنهم قد يصومون ولا يصلون، ويحجون ولا يصلون، تلك واللهِ من المفارَقات العجيبة، فيا من يريد الخلاصَ لنفسه: الصلاةَ، يا من يريد النجاة من النار: الصلاةَ، ويا من هجرتَ الصلاةَ أُخاطِبُ فيكَ عقلَكَ، أخاطب فيكَ روحكَ، أخاطب فيكَ مشاعِرَكَ، إني والله لكَ ناصح وعليكَ مشفِقٌ فأدرِكْ نفسَكَ، وَالْحَقْ بركب العائدين التائبين، واهرع للانضمام لقوافل المصلين قبل أن يفاجئك الموتُ، ويدهمك الأَجَلُ، وتَلْقَى اللهَ ولا قدرَ للإسلام عندكَ، فإن قَدْرَ الإسلامِ في قلبك كقدرِ الصلاةِ في قلبِكَ؛ أمَا سألتَ نفسَكَ: ما سببُ هذه الشرور والآفات التي تصيبكَ؟ أما سألتَ نفسَكَ: ما هذه الضائقة التي تلازِم صدرَكَ؟ أما سألتَ نفسَكَ: ما الذي كدَّر صفوَ دنياكَ؟ وجعل القلوب تبغضك؟ إن الذي لا يصلي لم يقدِّر اللهَ حقَّ قدره، وهوى في هوة عظيمة لا مخرجَ له منها إلا بتوبة نصوح، ووقع في وادٍ سحيق من الهلاك، تتناهَشُه الأدواءُ والنكباتُ، ويُخشى عليه من سوء الخاتمة، إلا أن يتداركه اللهُ بلطفه، فيعود إلى جادَّة الحق. إن الذي لا يصلي يعيش في الظلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والصلاةُ نورٌ)، فكيف يجد النورَ مَنْ لا يصلي؟ كيف نترك الصلاةَ يا عباد الله وتاركُ الصلاةِ قد ابتعد عن مولاه، وأعرَضَ عمَّا فيه نفعُه وهداه، واتَّبَع شيطانَه وهواه؟ فطُرِدَ من رحمة الله. كيف نترك الصلاةَ يا عباد الله وأهل النار المجرمون عندما يُسأَلون: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) لم يبدأوا بشيء غير ترك الصلاة، (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ، إنهم ممقوتون، فعندما يؤمَرون بالصلاة التي هي أشرف العبادات يمتنعون من ذلك، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) كيف نترك الصلاةَ يا عباد الله وتاركُ الصلاة قد نقَض العهدَ وأساء القصدَ، وقد قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ ترَكَها فقد كَفرَ) كيف نترك الصلاةَ يا عباد الله واللهُ تعالى يقول: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) فكيف بالعبد الذي لا يصلي؟ كيف سينتهي عن فعل القبائح والرذائل والموبقات، وليس لديه وازعٌ يمنعه من ذلك.. كيف نترك الصلاةَ يا عباد الله وهي من أعظم الأسباب الشرعية لدرء البلاء والوباء، ورفع البأس، ودفع المحن والفتن. فإن قال قائل: حسبي ما سمعت عن حال تارك الصلاة، لكن ما السبيل كي أعود بعدما عرفتُ أنني قد بعدتُ عن الله، بتركي صلاتي وتهاوني في أدائها؟ فالجواب عن ذلك أن يقال: إن الأمر يسير عبدَ الله؛ فإن أحسنتَ فيما بقي كُتِبَ لكَ ما مضى وما بقي، فما عليكَ إلا أن تبادِر بالتوبة إلى الله، وتُقبِل على مولاك؛ فإنه يتَقَبَّلُكَ، فسارِعْ إلى إقام الصلاة، ولا تيأس من حالك أرشدَكَ اللهُ، فكم من تائهٍ ضالٍّ رجَع إلى الله، فتقبَّلَه بقبول حَسَن، وأحسَن عاقبتَه، وأكرَم مثواه.. إنها فرصتُكَ اليوم لتراجع نفسَكَ، وتستدرك قبل فوات الأوان وحصول الندم، وقل بعزيمة صادقة: ها أنا ذا يا رب قد عدتُ إليكَ فاقبلني، ها أنا ذا يا رب قد عدتُ إليكَ فاغفر لي، ها أنا ذا يا رب قد عدتُ إليكَ فتُبْ عليَّ وثبِّتْني، وخُذْ هذه البشارةَ من الله تبارك وتعالى ، لمن راجَع طاعةَ اللهِ وأناب إلى ما يرضاه؛ إذ يقول جل في علاه: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) إنكَ إن أنبتَ ورجعتَ إلى الصلاة ربحتَ ربحاً كبيراً، ونلتَ فوزاً عظيماً، يمحو الله خطاياكَ، ويبدِّل سيئاتِكَ حسناتٍ، فما أعظمَها من هِبَات، ولا يقتصر الأمرُ على ذلك، بل سَلِ الذين تابوا وعادوا إلى ربهم بعد تركهم للصلاة سنين عديدة، وحافَظُوا الآن على صلاتهم كيف تبدَّلَت حياتُهم، وكيف صَفَتْ قلوبُهم وانقشعت الكآبةُ عن نفوسهم، وذهبَت هموهُم وغمومُهم، والكربُ والضيقُ الذي كان يلازمهم، وكيف شعروا برضا النفس وانشراح الصدر.

اللهم أنت الهادي أهد كل من ترك الصلاة منشغلاً أو ساهياً أو ناسياً أو كسولاً، وثبته على دينك وصراطك المستقيم، واجعله من المؤمنين حقاً يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي وعد المحافظين على الصلاة أجراً عظيماً، وأعد لهم في جنات الفردوس نعيماً مقيماً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنعم به رباً رحيماً كريماً ، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المصلين وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: الصلاة حفظكم الله أول ما فرضت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأحكام. فرضت في أشرف مقام وأرفع مكان، لما أراد الله أن يتم نعمته على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويظهر فضله عليه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، ثم رفعه إليه وقربه فأوحى إليه ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى. أعطاه من الخير حتى رضي، ثم فرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.. هي أول ما فرض وهي آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته وهو على فراش الموت منادياً:(الصلاة الصلاة..)

أيها المحاسب نفسه: الصلاة لم يُرخص في تركها لا في مرضٍ ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال والمسايفة والمنازلة، يقول تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ،  فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). الله أكبر رجالاً أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها تومئون إيماءً قدر الطاقة.

أما المريض فليصلِّ قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه، وإذا عجز عن شروطها من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة صلى بلا طهارة وبلا ستر عورة وإلى غير قبلة، فالصلاة ـ رعاك الله ـ لا تسقط بحالٍ ما دام العقل موجوداً.

الصلاة ـ أيها المحاسب نفسه ـ أكثر الفرائض ذكراً في القرآن الكريم وإذا ذكرت مع سائر الفرائض قدمت عليها لا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً، ولا صدقةً، ولا جهاداً، ولا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها. هي فواتح الخير وخواتمه. مفروضة في اليوم والليلة خمس مرات، يفتتح المسلم بالصلاة نهاره، ويختم بها يومه، يفتتحها بتكبير الله، ويختمها بالتسليم على عباد الله. بها افتتحت صفات المؤمنين المفلحين، وبها خُتمت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ) ثم قال في آخر صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) هذه هي الصلاة ـ يا عبد الله ـ وإنها لكذلك وأكثر من ذلك، ولماذا لا تكون كذلك؟ وهي الصلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نورٌ في الوجه والقلب، وصلاحٌ للبدن والروح، شارحة للصدر، مغذِّية للروح، منوِّرة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعِدة من الشيطان، مُقَرِّبة من الرحمن. تطهر القلوب، وتكفر السيئات، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. مصدر القوة، ومطردة الكسل، مُنَشِّطة للجوارح، مُمِدَّة للقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) جالبة الرزق والبركة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) خشوع وتعبد يمسح آثار الغفلة والتبلد، ونورٌ وهدايةٌ يحفظ بإذن الله تعالى من سبل الضلالة والغواية.

ربنا تقبل منا صالح أعمالنا، واجعلنا من مقيمي الصلاة، ومن ذرياتنا، ربنا هب لنا من لدنك ذرية طيبة، إنك سميع الدعاء، اللهم أصلح لنا أبنائنا وبناتنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يارب العالمين.

اللهم أكتب لمن ترك الصلاة، الصلاح والهداية إلى الصلاة والرشد والبصيرة والثبات، ورد مسارهم إلى النهج القويم.

اللهم أهد تارك الصلاة واجعله هادياً مهدياً، واشرح صدره للحق، ووفقه وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، ورده إليك رداً جميل.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهم أحفظنا وأهلنا وبلادنا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَمِحْنَةٍ وَوَبَاءٍ ومُنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِك وَسَتْرِك وَعَافِيَتِك، إِنَّك سَمِيعٌ الدعاء.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وفلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المصلين فيه،  واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم موتانا،  برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين